الشيخ المحرر محمد أبو طير وحكاية 25 عاماً في الأسر
رام الله ـ خاص
السابع من حزيران، كان اليوم الأول لأروى في امتحان الثانوية العامة.. وها هي أروى التي بذلت طوال العام جهوداً كبيرة لتحقيق نجاح متميز، تجد نفسه في اليوم الأول للامتحانات قد فقدت القدرة على التركيز، ووجدت فجأة أن المعلومات خزّنتها طوال العام في ذاكرتها تتبدد وتتلاشى.
ففي اليوم الذي سبق موعد الامتحانات كانت أروى تشاهد إخوتها وهم يتراكضون إلى نوافذ البيت، علهم يلحظون موكب وصول الوالد الذي غيّبه الاحتلال الصهيوني خلف قضبان سجونه منذ سبعة أعوام.. وكانت تشاركهم الجري والنظر عبر النافذة، ثم تعود لكتبها ودراستها وتعاود الكرة.. ولا شيء يزيل هذا التوتر المفرح.. سنوات كانت وأشقاؤها ينتظرونه.. وها هو يعود اليوم، مشرعاً صدره لأطفال كبروا في غيابه.
"سأكون أول من يحتضنه وألقي رأسي في صدره" كانت تقول لنفسها.. وعندما أتى فوجئت بالمنزل وقد امتلأ، وكان أن حملت فرحتها إلى غرفتها حتى يفرغ الوالد من استقبال القرية التي أتت بأكملها مهنئة.
أروى وأخوتها السبعة عاشوا في السنوات الأخيرة حلماً بالإفراج عن والدهم القيادي في حماس محمد أبو طير (54 عاماً) والذي اعتقل عام 1998 وواجه حكماً بالسجن الفعلي لمدة سبعة أعوام، وها هم اليوم، وعلى لسان أروى يقولون: "لا أحد سيأخذه منا مرة أخرى.. ليس لنا في هذه الدنيا سواه".
الشيخ محمد أبو طير (54 عاماً) من قرية أم طوبا القريبة من القدس المحتلة، اعتقل للمرة الأخيرة في الحادي والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) عام 1998، بعد سلسلة من عمليات الاعتقال التي استنزفت عمره، حتى أتت تلك الأخيرة واستهلكت سبع سنوات متواصلة، لتكتمل دائرة أعوام السجن الـ 25 عاما.
اغتيال الشهيدين عوض الله.. والاعتقال
كان الشيخ محمد أبو طير لا زال يعيش صدمة اغتيال الشهيدين عادل وعماد عوض الله عندما اقتحمت قوات الاحتلال منزله بعد أشهر من الإفراج عنه من آخر "سجنة"، طالت في حينها ستة أعوام، يتذكر تلك اللحظات قائلا: "بعد عشرة أيام بالضبط على اغتيال الشهيدين عوض الله، اقتحمت قوات الاحتلال منزلي، وخلال التفتيش عثرت على أوراق تخص الشهيدين، وكذلك الشهيد محيي الدين الشريف، وبناءً على ذلك وجهت إليَّ لائحة اتهام طويلة بمساعدة الشقيقين عوض الله، والانتماء لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وقضيت وقتها أكثر من أربعة أشهر في زنازين وأقبية التحقيق".
في الأيام العشرة الأولى على اعتقاله، منع الشيخ أبو طير من النوم بتاتاً، يقول: "كانت الهجمة شرسة ووحشية، وكان جهاز المخابرات الصهيوني ينظر بأهمية بالغة للتحقيق معي، حتى أن رئيس جهاز "الشاباك" الحالي كان يشرف بنفسه على التحقيق معي، وكان يأمر المحققين قائلاً لهم: "اكسروه"، وقد استطاعوا أن يلحقوا بي الضرر الجسدي بشكل كبير، فقد أتبعوا أساليب تحقيق قاسية جداً وما زالت آثارها موزعة على جسدي حتى اليوم، وفي بعض المرات كانوا يضعون القيود في منطقة الكوع بيدي ويبدأون بالضغط عليها بشدة، حينها كنا نصرخ بملء أصواتنا من الألم.. وقد استمر التحقيق على هذا النهج لمدة 120 يوماً متواصلاً كنت خلالها أتعرض للشبح بشكل متواصل ولساعات طويلة يومياً، حتى أنني في بعض المرات كنت أفقد الإحساس بأطرافي، وبعد انتهاء هذه الفترة بأيام قليلة أعادوني للتحقيق من جديد ولشهر تقريباً، ومرة ثالثة أعادوني للتحقيق لشهر آخر.. أعتقد أنني أمضيت أكثر من خمسة أشهر تحت التعذيب في أقبية التحقيق، من أجل كشف علاقتي بالشهيدين عوض الله".
الابن وأمّه
وخلال تلك الفترة اعتقلت والدة الشيخ أبو طير، بتهمة مساعدة الشهيدين عادل وعماد عوض الله، ويروي أبو طير علاقته الحميمة بوالدته التي كانت أول من وقف على باب البيت تنتظره منذ سبع سنوات، وهي التي كان البعد عنها أكثر ما آلم الشيخ أثناء اعتقاله" سماها الشهيد عادل عوض الله بالسفينة، ويشهد الله أنها كانت تنقل الأموال للشهيد عادل عوض الله دون علمي، وتعرف أين هو دون علمي، ولا شأن لي بذلك، حتى قال لي ضابط صهيوني أثناء التحقيق عندما طلبت منهم الكف عن إيذاء الوالدة: "أمك تقدر بعدد من الرجال".
بدأت رحلة الشيخ أبو طير مع العمل الجهادي مبكرة ومختلفة بعض الشيء عن تجارب الآخرين، تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية في مدرسة صور باهر الإعدادية، ولقب بالشيخ منذ أن كان في الإعدادية، وقد تلقى الدراسة الثانوية في مدرسة الأقصى الشرعية، تخرج منها عام 1971 وحصل على شهادة شرعية وعلى شهادة ثانوية عامة، وكان مؤهلاً لأن يلتحق بأي كلية شريعة في الأردن أو جامعة المدينة المنورة في الأزهر، لكن حبه للعمل الجهادي والفدائي حال دون ذلك فبدلاً من الالتحاق بالجامعة التحق بالعمل العسكري من خلال صفوف حركة "فتح".
غادر أبو طير القدس المحتلة لأول مرة الى الأردن عام 1971 وبحجة الدراسة، يقول أبو طير: "غادرت القدس والمقصود العمل الفدائي فسافرت إلى سوريا، ومن ثم إلى بيروت لبنان عام 1972، التحقت بصفوف الأمن المركزي لحركة "فتح"، وتدربت على السلاح في بيروت وفي جنوب لبنان، وفي مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين"، وبقي الشيح أبو طير في صفوف المقاومة وحركة "فتح" حتى عام 1974 حين أعتقل بعد رجوعه من بيروت.